18 أكتوبر 2024 11:34 14 ربيع آخر 1446
دنيا المال
رئيس التحرير إيهاب عبد الجواد
مقالات

دكتور جمال شعبان يكتب عن : بروف محسن سالم الإنسان الراقي والنطاسي الماهر

دكتور جمال شعبان - دكتور محسن سالم
دكتور جمال شعبان - دكتور محسن سالم

إنا لله وإنا إليه راجعون
فقدت الإنسانية
وفقدت مصر
وفقد المجتمع الطبي
وفقدت جامعة القاهرة
وفقدت كلية الطب
حكيم العيون
بروف محسن سالم
الإنسان الراقي
والنطاسي الماهر
والحكيم المتمكن
المتعمق في الحياة
العاشق للوطن
المتيم بحب القاهرة
حدثني ذات مرة
أنما يجمعني به
أننا مواليد برج الميزان
وفي اليوم نفسه ١٦ أكتوبر
كان فيلسوفا وكاتبا من الطراز الأول
يتحدث بخفة ظل
وحكمة وتعمق عن مسيرة الطبيب المتفوق
جبت مجموع طب
دخلت أول سنة ، جبت إمتياز
" مش كفاية ، لازم تجيب تقدير طول السنين "
خدت بكالريوس بتقدير حلو مع مرتبة شرف
" مش كفاية ، لازم ترتب على الدفعة "
جبت ترتيب كويس
" مش كفاية ، لازم تبقى من الأوائل "
دخلت قسم ما
" مش كفاية لازم تذاكر من الأول كل حاجة "
ذاكرت
" مش كفاية ، لازم تفضلupdated"
بدأت سكة الماجستير
" مش كفاية لازم نشر أبحاث في مجلات دولية "
خلصت الماجستير
" مش كفاية لازم معادلة أجنبية،الماجستير مالوش لازمة لوحده "
أخدت درجة أخصائي
" مش كفاية ، لازم دكتوراه عشان تاخد استشاري "
مش كفاية .. مش كفاية ..
الطب أحسن سكة تخليك حاسس انك دايما مقصر ، إنك عمرك ما كنت و لا هتكونGood enough، عمرك ما هتبقى كفاية
هتعيش و تموت بتجري ورا سراب ، ورا أمنية انك تقعد ترتاح و تاخد نفسك ، ورا فكرة تقارب الهزلية انك تكون يوماً ما "كفاية"
"وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان .. وستعرف بعد رحيل العمـــر بأنك كنــت تـــطارد خيط دخان
كان عاشقا للوطن
يحذر بني وطنه من البطر وجحود نعمة الوطن
يقول لو كان لي دعوة واحدة تُستجاب ، لكانت :
اللهم لا تحاسبنا بما يقول السفهاء منا واغفر لشعب مصر خطيئة البطر ولا تحرمهم نعمة الوطن !!
كان عاشقا للقاهرة
قاهرة زمان
القاهرة التي عاشها في طفولته ....
...
قاهرته…
لا قاهرة الالاضيش!!
قاهرة الستينات والسبعينات ....الخلابة !
..........
الشوارع خالية من أسوأ ما فيها ..... البشر !!
فأي مكان تذهب اليه في دقائق .....
و
كورنيش المعادي فُسحة .....
وشارع أبو الفدا تمشية .....
ووسط البلد متعة فرجة .....
وصلاح سالم طريق مقطوع........
والمهندسين ضواحي ......
والشيخ زايد وأكتوبر صحراء يختبئ فيها المجرمين!!
..........
......
مفيش كلاكسات ....
ولو سمعت كلاكس .... يبقي واحد بيزمر لصاحبه علشان ينزل .... وسط إستياء الجيران !!!!!
.......
تركن مكان ما تحب ....
لأ وأيه ؟؟؟ صف أول ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
......
مفيش منادي ....
وبالتالي مفيش :
" رد كله .... إرمي يمين .... هات ... هات ...هات ....
سكة السلامة يا نجم !!!!"
....
......
يتحدث برقة وعذوبة عن ذكريات طفولته حكيم عيون ....... شاف الجمال كله !!!!
يجتر ذكرياته بنوستالجيا عذبة رشيقة يقول :
وٌلِدت وعِشت طفولتي وشبابي في جاردن سيتي ..
وفيها أيضاً بيت جدتي لأمي .......
....
لذلك تجدني احفظها عن ظهر قلب ، بلا مبالغة ؛ بواحدة بلاط الرصيف !!!!
.....
أحفظ شوارعها ومبانيها وجراچاتها ....
وأسانسيراتها ... وعماراتها ذات البابين ...
وسكانها .. وأقاربهم ....
وحدائقها وخراباتها !!!!!!
.....
وكذلك أعرف كل باعتها الجائلين .... والثابتين !!!
ويتألم من التغيير الاجتماعي الحاد
وزمن الكمبوندات
وراء الأسوار الشاهقة
الْيَوْمَ ....
حيث أصحاب الأموال والجاه داخل كمپوندات بأسوار عالية ....
وكاميرات مراقبة وبوابات الكترونية ....
وستيكر او باركود ..
....
فلم يٌعد يعرف أولادنا وبالتأكيد الأحفاد لا بقال ولا بائع ولا كشك ولا تاكسي ولا بواب ...ولا ... ولا .....
......
وهم بدورهم لا يعرفون أشكالنا ،
ويظنون إنها مجتمعات للصوص والحرامية والمنتفعين ....
سرقوا الغلابة وقفلوا علي نفسهم !!!
......
..........
فكان التباعد والتحفّز والتنمّر من الطرفين ....
.....
ولَم تستطع نظرات الود تخطّي الأسوار ..
ولَم تتجاوز كلمات التحية البوابات
ولَم تنقل الكاميرات تعبيرات تراحم وإحترام !!!
......
...........
أخشي أن تنهار هذه الأسوار التي فصلت بين الناس علي مدار ٥٠ عاماً .....
فحجارتها حينئذ، ستحطم الرؤوس التي لم تدرك الخطر !!!
......
فحب الناس هو الأمان الأكبر ....
هذه قناعتي !!
حكيم عيون ......... كان أمان !!!
رحم الله حكيم العيون الضاحك الباكي
العاشق لمصر
بروف محسن سالم

دكتور جمال شعبان دكتور محسن سالم